ربما لا يحتاج إلى تعاطفك بقدر حاجته لوقوفك بجواره والضغط على يديه بقوة، ما تؤديه كلمات المواساة في الظروف العادية قد لا تنفع في حالته، لأنه فقد من الكرامة مايجعله في حاجة إلى التضامن وليس الشفقة، ولكنك في النهاية تتضامن مع دموعه بدموعك الرافضة لما حدث معه معلنة قلة حيلتك وحيلته معاً..
"أنا هاموت، مش عارف إيه اللي عملته عشان يجرى لي كل اللي حصل، هو اللي جرالي جزاء إنقاذي لحياة الناس وخوفي على مصالح المسلمين والعرب، أنا عارف أني هاموت لو مش منهم يبقى من الألم والكسور اللي في جسمي".. هكذا عبر إبراهيم السيد إبراهيم عن مأساته أمس في برنامج 90 دقيقة على قناة المحور أمس الأثنين..
الجملة السابقة ربما تكون مؤثرة وقوية ومعبرة ولكن دموع بطل القصة التي نزلت بغزارة كانت أقوى من الكلمات بكثير، ربما لأنه رجل يبكي وعلناً وفوق كل هذا أنه مظلوم.
البطانية هي الحلإبراهيم، مصري عمره 37 عاماً، اضطرته ظروف العمل للسفر إلى ليبيا في سبتمبر 2007، ليعود منها قبل 4 أشهر ملفوفاً في بطانية سوداء لأن كسوره لم تلتئم بعد ويهرب من منفذ السلوم ليصل لمنزله بتبرع من مصري شاهد حالته فـ"صعب عليه"، ولكن ما حدث معه ربما يجبر الكثيرين أيضا على التفكير مائة مرة قبل اختيار ليبيا أو غيرها من الدول للعمل والاستقرار..
القصة لمن لا يعرفها، بدأت عندما قرر ابراهيم السفر إلى ليبيا والعمل كميكانيكي سيارات في ورشة خاصة، وقادته الظروف لاكتشاف مخطط إرهابي أو عملية لغسل الأموال بمبلغ قدره مليون يورو يقودها صاحب الورشة ومجموعة من الأفارقة، ولأنه فرعون مصري كما وصفه البعض أبلغ عن الصفقة واختار سفارته المصرية لتكون أول من يعرف بصفته مواطن مصري.
تتوالى فصول القصة التي بدأت في نوفمبر الماضي ولم تنته حتى الآن، فيحتفل المصريون بعد على صفحات الجرائد وتحتفل به السلطات الليبية أيضاً ولكن على طريقة لاظوغلي مقر أمن الدولة لا الميدان.
"ليه يا مصرى.. ما خبرتناش قبل سفارة بلدك بالعصابة.. أنت الفرعون المصري.. اللي صورك ملأت الصحف؟"، هكذا استقبله ضابطا أمن في ليبيا ولم يقتصر الأمر على الكلمات والسب بل تعدتها لحفل تعذيب استمر ليومين، تنوعت فيه الأساليب والمواد المستخدمة والأثار أيضاً، فالكهرباء والماء والعصي والبوكس كانوا أهم تلك الوسائل، فلم يحتمل جسده النحيل ما تعرض له ولا قلبه استوعب هول صدمته ما حدث ليغيب عن الوعي ويفيق بعدها بثلاثة أيام فيجد نفسه في مستشفى عسكري وحوله حراس ليبين وضابط آخر..
كيس زبالةحراس ليبين، وضباط هم من ضربوه من قبل..!، لا تتعجب ولكن القصة التي رويت له بعد إفاقته من إغمائه ربما توضح ما حدث، فبعد حفل التعذيب وضع في كيس "زبالة" كبير وألقي في مزرعة ليجده صاحب المزرعة ويسلمه لقسم الشرطة ويكون من حسن حظه وجود وكيل نيابة ليبي على خلق، ابن ناس كويسين- وفقا لما وصفه ابراهيم- فيقف بجواره ويحميه ويعالجه ويهربه إلى مصر في ميكروباص على نفقته ومسئوليته عبر لفه في بطانية؛ لأن ابراهيم لم يكن يحمل ورقة واحدة توضح هويته..
انتظر، أعرف السؤال الذي يدور برأسك الآن، أين السفارة المصرية التي أبلغها بالقصة ؟، في الحقيقة لا أحد يعرف ولا حتى هو ذاته يفهم، فكل ما سبق تم دون أي تدخل من السفارة التي أبلغها البطل كما أطلق عليه البعض ولا حتى تساؤل واحد عن مصير هذا الذي رفع رأسهم عالياً وجعل القنصل والسفير يتاجران ببطولته لأيام وربما شهور، متغنين ببطولة المصري وقدرته على التصدي للفساد، وربما حصل كل منهما على ترقية أو مكافأة على حسابه، في حين باع هو شقته لينفق على علاجه الذي التهم ثمن الشقة وتعداها للدين من الأقارب والجيران دون أن يساعده أحد ولا حتى يسأل فيه..
كلنا في الإهانة مصريونكسور في الرقبة والعمود الفقري، كسور في اربع أضلع في صدره، حوًل في عينه، تركيب رقاقات في ساقه وركبتيه، وهزال عام في عظامه جعلته يحتاج إلى حقن تقدر بـ300 جنيه يوميا لإعادة العظام لطبيعتها الأولى، كل ما سبق تم خلال ثماني أشهر كاملة دون أن يتحدث أحد ولا يهتم قنصل ولا حتى فراش في الخارجية المصرية..
حال إبراهيم ربما لا يختلف عن حال مروة الشربيني، أو الأطباء المصريين في السعودية وغيرهم كثيرين ولكنه يطرح تساؤلات أكثر ربما لأنه لقي جزاؤه على مجرد اللجوء لسفارته التي من المفترض أن تحميه وتدافع عنه.
تساءل إبراهيم ومعه أهله عن موقفه من المدح والبطولة التي حظي بهما فور اكتشاف العصابة، قائلين: هل هو بطل أم مجرد شخص أذنب فعوقب على ذنبه، ونزلت دموعه للمرة الأولى عندما أقرت ابنته أنه ليس بطلاً وإلا لماذا ضرب وعذب ورجع في كيس زبالة؟
ولم تتوقف دموعه طوال الحلقة التي حكى فيها قصته معتبراً أن ما حدث معه أمر غير مفهوم، ومطالباً السفارة المصرية في ليبيا بتقديم توضيح لأسباب ما حدث معه..
وقبل نهاية الحلقة تنبأ ابراهيم بموته خلال فترة قصيرة، وربما لن يموت إبراهيم على يد العصابة التي كشف سرها وهددته بقتله وأهله جميعا، ولكن قد يكون الحزن اعتصر قلبه فمنعه من تنفس هواء الكرامة والحرية وربما خذلته سفارته لدرجة جعلته يخجل فيها من نفسه أمام أبنائه وزوجته فيموت كمداً من الظلم والقهر والتجاهل مجتمعين..
لم تنته قصة إبراهيم ولن تكون الأخيرة في سلسلة تعرض المصريين للظلم والقهر في الخارج، ليس من الدول التي يعيشون فيها فقط بل من سفاراتهم هناك!.
بوصفنا مصريين نحتاج لتوضيح نحن أيضا من السفارة والخارجية وأبو الغيط شخصياً، الذي لم يهتم أي منهم بتوضيح ما حدث عبر اتصال هاتفي مع البرنامج كما يحدث عندما يمس الأمر شرفهم أو تصريحاتهم النارية. وندعو من هللوا "للفرعون المصري" إلى الوقوف بجواره في رحلة علاجه التي خسر فيها منزله وشقى عمره، بدلاً من ملء الصفحات البيضاء بجمل وعبارات مكررة وماسخة ولا فائدة منها إلا في تقاريرهم الشهرية فقط .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طبعا كلنا شايفيين اللي بيحصل والمفروض ان رئيس الجمهورية يقيل وزير الخارجية ويحاسبه هوة وكل المسئولين في وزارة الخارجية